الايمان وجواب الإنسان لله


جواب الإنسان لله

142- بالوحي «الصادر عن فرط المحبة يُخاطب الله الغير المنظور جماعة البشر وكأنهم أحباؤه، ويتحدث إليهم ليدعوهم إلى الدخول في شركته ويقبلهم في هذه الشركة»[1]. والجواب الملائم لهذه الدعوة هو الإيمان.
143- بالإيمان يُخضع الإنسان عقله وإرادته لله إخضاعاً كاملاً. وهون يوافق الله صاحب الوحي موافقةً كاملة[2]. والكتاب المقدس يدعو جواب الإنسان لله المُوحي «طاعة الإيمان»[3].

المقال الأول
أُؤمن
1. طاعة الإيمان
144- الطاعة في الإيمان هو الخضوع الحُر للكلمة المسموعة، لأن حقيقتها في كفالة الله الذي هو الحقيقة ذاتها. إبراهيم هو نموذج هذه الطَّاعة التي يقدمه لنا الكتاب المقدس., والبتول مريم هي تحقيق هذه الطاعة الأشد كمالاً.
إبراهيم - «أبو جميع المؤمنين»
145- الرسالة إلى العبرانيين، في إشادتها بإيمان القدامى، تُشدد بنوع خاص على إيمان إبراهيم: «بالإيمان أطاعإبراهيم لمَّا دُعيَ إلى أن يذهب إلى الموضع الذي كان مزمعاً أن يتخذه ميراثاً، فذهب لا يدري إلى أين يتوجه» (عب11: 8)[4]. بالإيمان عاش في غربةٍ وفي حج في أرض الميعاد[5]. بالإيمان سارة نالت أن تحبل بابن الوعد. بالإيمان أخيراً قرَّب إبراهيم وحيده ذبيحة[6].
146- وهكذا حقق إبراهيم تحديد الإيمان الذي أعطته الرسالة إلى العبرانيين:«الإيمان هو قيام المرجوات فينا، وبرهان الغير المنظورات» (عب11: 1). «آمن إبراهيم بالله، فحُسِب له ذلك براً» (رو4: 3)[7]، وبسبب هذه «الشدة في الإيمان» (رو4: 20) أصبح إبراهيم «أباً لجميع اذين يؤمنون» (رو4: 11، 18)[8].
147- والعهد القديم حافلٌ بمثل شهادات الإيمان هذه. فالرسالة إلى العبرانيين تُشيد بإيمان القُدامى المثالي الذي «شُهِد لهم بذلك» (عب11: 2، 39). ومع ذلك «فإن الله دبَّر لنا تدبيراً أفضل»:  نعمة الإيمان بابنه يسوع، «مُبدئ إيماننا ومُتمِمه» (عب11: 40؛ 12: 2).
 مريم- «طوبى للّتي آمنت»
148- مريم العذراء تُحقق طاعة الإيمان على أكمل وجه. في الإيمان تقبَّلت مريم البشارة والوعد من الملاك جبرائيل، مُعتقدةً أن «ليس أمرٌ غير ممكن لدى الله» (لو1: 37)[9]، ومُعلنةً رضاها:«أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك» (لو38:1). وأليصابات سلمت عليها قائلةً:«طوبى للتي آمنت بأنه سيتم ما قيل لها من قِبَل الرب» (لو45:1). ومن أجل هذا الإيمان تُطوبها جميع الأجيال[10].
149- مدة حياتها كلها، وحتى محنتها الأخيرة[11]، عندما مات يسوع ابنها على الصليب، لم يتزعزع إيمانها. لم تبرح مريم مؤمنةً بأن كلام الله "سيتم". ولهذا تكرم الكنيسة في مريم أصفى تحقيق للإيمان.
2ً. «أنا عارفٌ بمَن آمنتُ» (2تي12:1)
الإيمان بالله وحده
150- الإيمان هو أولاً التصاقالانسان بالله التصاقاً شخصياً؛إنه في الوقت نفسه، وبطريقة غير قابلة الانفصال، القبُول الحُر لكل الحقيقة التي أوحى بها الله. في كون الإيمان المسيحي لصوقاً شخصياً بالله وقبولاً للحقيقة التي أوحى بها، فهو غير الإيمان بشخص بشري. إنه عادلٌ وجيد أن يثق المرء بالله ثقةً كاملةً، وأن يؤمن بما يقول إيماناً مطلقاً. وقد يكون من العبث والخطأ أن يجعل المرء مث هذا الإيمان بإحدى الخلائق[12].

الإيمان بيسوع المسيح، ابن الله
151- لدى المسيحي الإيمان بالله هُو هو الإيمان بمَن أرسله، "ابنه الحبيب" الذي به سُرَّ[13]؛ قال لنا الله أن نستمع له[14].والرب نفسه قال لتلاميذه:«أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي أيضاً» (1:14). نستطيع أن نؤمن بيسوع المسيح لأنه هو نفسه الله، الكلمة المتجسد:«الله لم يره أحدٌ قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو أخبر» (يو18:1). وإذ قد «رأى الآب» (46:6)، فهو وحده يعرفه وهو يقدر أن يكشفه[15].
الإيمان بالروح القدس
152- لا يمكن الإيمان بيسوع المسيح بمعزلٍ عن روُحه. الروح القدس هو الذي يوحي لبشر بحقيقة يسوع. «ولا يستطيع أحدٌ أن يقول أن يسوع ربٌ إلا بالروح القدس» (1كو3:12). «الروح يفحص كل شيءٍ حتى أعماق الله. (...) لا يعلم أحدٌ ما في الله إلا روح الله» (1كو2: 10-11). الله وحده يعرف الله بكامله. ونحن نؤمن بالروح القدس لأنه الله.
لا تبرح الكنيسة تعلن إيمانها بإلهً واحد، آبً وابن وروحٍ قدس.
3ً. ميزات الإيمان
الإيمان نعمة
        153- عندما يعترف القديس بطرس بأن يسوع هو المسيح، ابن اللخ الحي، يُعلن له يسوع بأن هذا الكشف لم يأته «من لحم ودم بل من أبيه اذي في السموات» (متى17:16)[16]. فالإيمان هبة من الله، فضيلة فائقة الطبيعة يبثها الله. «ولكي يعقد الإنسان هذا الإيمان، يحتاج إلى نعمة من الله تتداركه وتعضده، كما يحتاج إلى عونٍ داخلي من الروح القدس. وهذا الروح يُحرك القلب ويوجهه إلى الله، ويفتح عيني النفس ويمنح «الجميع عذوبة تقبل الحقيقة والإيمان بها»[17].
الإيمان فعلٌ إنسانيّ
154- لا يمكن الإيمان إلا بنعمة الروح القدس وعونه الداخلي. ومن الثابت أيضاً أن الإيمان فعلٌ إنسانيٌ أصيل. ولا يخالف حرية الإنسان ولا عقله أن يجعل في الله ثقته وأن يعتنق الحقائق التي يوحي بها. وإننا إذا نظرنا في العلاقات بين البشر نجد أنه ليس مخالفاً لكرامتنا الخاصة أن نصدق ما يقوله لنا الآخرون عن أنفسهم وعن مقاصدهم، وأن نثق في وعودهم (كما يجري ذلك مثلا عندما يتزوج رجل وامرأة)، لكي ندخل هكذا معاً في شركة متبادلة. وإنه من ثمَّ أقل مخالفةً لكرامتنا أن «نقدم الإيمان خضوع عقلنا وإرادتنا الكلي لله المُوحي»[18]، وأن ندخل هكذا معه في شركة حميمة.
155- في الإيمان يُسهم العقل والإرادة البشريان مع النعمة الإلهية:«الإيمان فعل عقلٍ يعتنق الحقيقة الإلهية بأمر الإرادة التي يُحركها الله بالنعمة»[19].
الإيمان والعقل
156- ليس الدافع إلى الإيمان كون حقائق الوحي ظاهرة الصحة والمعقولية على ضوء عقلنا الطبيعي. إننا نؤمن «بسبب سلطان الله نفسه الذي يوحي والمعصوم عن الضلال والتضليل»[20]. «ومع ذلك فقد أراد الله، لكي يكون عمل إيماننا موافقاً للعقل، أن يكون عون الروح القدس الداخلي في رفقة شواهد وحيه الخارجية»[21].وهكذا فمعجزات المسيح والقديسين[22]، والنبوءات، وانتشار الكنيسة وقداستها، وخصبها وثباتها، كل ذلك «علامات للوحي ثابتة على مستوى عقل الجميع»[23]، دوافع إيمانية تُظهر أن «العقيدة الإيمانية ليست حركة للنفس عمياء»[24].
157- الإيمان عقيدة ثابتة، وأشدُّ ثباتاً من كل معرفة بشرية، لأنه قائمٌ على نفس كلمة الله الذي لا يمكنه أن يكذب. نعم قد تبدو حقائق الوحي غامضةً لد\ى العقل واختبار البشريين، ولكن «اليقين الصادر عن النور الإلهي أعظم من اليقين الصادر عن نور العقل الطبيعي»[25]. «ليست في عشرة ألآف صعوبة ما يبعث على شكٍ واحد»[26].
158- «الإيمان يسعى إلى الإدراك»[27]: إنه من لوازم الإيمان أن يرغب المؤمن في معرفة أوفى لمن جعل فيه إيمانه، وإدراكٍ أشد لما أوحى به؛ ومعرفةٌ أعمق تستدعي من جهتها إيماناً أعظم يضطرم بالحب أكثر فأكثر. إن نعمة الإيمان تفتح «عيني القلب» (أف18:1) لفهم مضمون الوحي فهماً شديداً، أي مجمل تصميم الله وأسرار الإيمان، وارتباطها بعضها ببعض وبالمسيح، مركز السر الموحى به. ولكي «يجعل الروح القدس إدراك الوحي أعمق فأعمق، فهو لا يبرح يعالج الإيمان بمواهبه ليجعله أكمل»[28]. وهكذا على حد قول القديس أوغسطينوس المأثور: «إني أومن لكي أدرك، وأدرك لكي أؤمن إيماناً أفضل»[29].
159- الإيمان والعلم. «وإن فَضَلَ الإيمانُ العقلَ، فمن غير الممكن أبداً أن يكون بينهما خلافٌ حقيقي. ذلك أن الله الواحد الذي يوحي بالأسرار ويهب الإيمان هو بعث في الروح ابشري نور العقل. فمن غير الممكن أن يُنكر الله ذاته، وأن تناقض الحقيقةُ الحقيقةَ»[30]. «وهكذا فمن غير الممكن، في شتى ميادين المعرفة، أن يختلف الإيمان والبحث المنهجي، إذا جرى هذا البحث مجرى علمياً صحيحاً، وتتبع النُّظم الأخلاقية، لأن لحقائق الدنيا ولحقائق الإيمان مصدراً واحد هو الله. أضف إلى ذلك أن الإنسان الذي يسعى جاهداً، في ثبات وتواضع، لاختراق خفايا الأشياء تكاد تقوده، وإن في غير وعي منه؛ يد الله التي تحفظ الأشياء كلها وتعمل على أن تكون تلك الأشياء على ما هي عليه»[31].
حرية الإيمان
160- لكي يكون «جواب الإيمان الذي يقدمه الإنسان لله إنسانياً يجب أن يكون إرادياً؛ ومن ثمَّ لا يمكن إكراه أحد على اعتناق الإيمان على رُغمه. ففعل الإيمان من طبيعته ذاتها ذو طابع إرادي»[32]. «والله يدعو الإنسان لخدمته في الروح وفي الحق؛ وإن ألزمت هذه الدعوة الإنسان ضميرياً فهي لا تكرهه. (...) وهذا ما ظهر في المسيح يسوع أجلى ظهور»[33]. فالمسيح دعا إلى الإيمان وإلى الهداية، ولكنه لم يعمد فيهما الإكراه قط. «لقد شهد للحقيقة، لكنه لم يشأ فرضها على خصومه بالقوة. وملكوته (...) يمتد بالمحبة التي يجذب بها اليه جميع البشر عند ارتفاعه على الصليب»[34].
ضرورة الإيمان
161- الإيمان بيسوع المسيح وبالذي أرسله لأجل خلاصنا ضروريٌ للحصول على هذا الخلاص[35]. «إذ إنه «بدون الإيمان (...) لا يستطيع أحدٌ أن يُرضي الله» (عب6:11) وأن يصل إلى وضع أبنائه، وما من أحدٍ يُبرَّر أبداً بدون الإيمان، وما من أحدٍ يحصل على الحياة الأبدية إذا «لم يصبر فيه إلى المُنتهى» (متى10: 22؛ 13:24)»[36].
الثباتُ في الإيمان
162- الإيمان هبة مجانية يهبها الله للإنسان. باستطاعتنا أن نفقد هذه الموهبة التي لا تُقدر بثمن؛ والقديس بولس يحذر تيموثاوس من ذلك:«تجند التجند الحميد، متمسكاً بالإيمان والضمير الصالح الذي نبذه قومٌ فانكسرت سفينتهم عن الإيمان» (1تي1: 18-19). فلكي نحيا وننمو ونثبت في الإيمان إلى المنتهى، يجب علينا أن نغذيه بكلمة الله؛ يجب أن نتضرع إلى الله لكي يزيدنا إيماناً[37]؛ يجب أن يعمل «بالمحبة» (غل5: 6)[38]، ويُحمَل في الرَّجاء[39]، ويُرسخ في إيمان الكنيسة.
الإيمان- بدء الحياة الأبدية
163- كأني بالإيمان يذيقنا مُسبقاً فرح ونور الرُّؤيا الطُّوباوية التي هي غاية مسيرتنا الأرضية. سنرى الله عند ذلك «وجهاً إلى وجه» (1كو12:13)، «كما هو» (1يو2:3). وهكذا فالإيمان منذ الآن بدء الحياة الأبدية:
«إذا كنا منذ الآن نُشاهد مباهج الإيمان وكأنها إنعكاسات ضوئية في مرآة، فكأننا نملك منذ الآن الأمور الرائعة التي يؤكد لنا إيماننا أنّا سنتمتع بها يوماً ما»[40].
164- ومع ذلك فنحن الآن «نسلك بالإيمان لا بالعيان» (2كو5: 7)، ونعرف الله «كما في مرآة على سبيل اللغز، (...) معرفةً ناقصة» (1كو12:13). والإيمان المُستنير بمن يؤمن به، كثيراً ما يسلك في الظلمة. وقد يُمتحن. فالعالم الذي نعيش فيه كثيراً ما يبدو بعيداً جداً عما يؤكده لنا الإيمان؛ وتجارب الشر والألم، والمظالم والموت، وتبدو مناقضةً للإنجيل؛ قد تستطيع أن تُزعزع الإيمان، وأن تكون له موضوع تجربة.
165- في هذه الحال تقتضي منا الضرورة أن نتوجه إلى شهود الإيمان: إبراهيم الذي آمن، «راجياً على خلاف كل رجاء» (رو4: 18)؛ والعذراء مريم التي «في رحلة الإيمان»[41]انطلقت حتى «ليل الإيمان»[42]. مشتركةً في آلام ابنها وفي ليل قبره[43]؛ وآخرين من شهود الإيمان:«فنحن إذ يُحدق بنا مثل هذا السحاب من الشهود، فلنُلقِ عنا كل ثِقلٍ وما يشتمل علينا من الخطيئة، ولنُسابق بالصبر في الجهاد الذي أمامنا، ولنجعل نظرنا إلى مُبدئ الإيمان ومُتممه، إلى يسوع» (عب12: 1-2).

المقال الثاني
نُؤْمنُ

166- الإيمان فعلٌ شخصي: إنه جواب الإنسان على مبادرة الله الذي يكشف ذاته. ولكن الإيمان ليس فعلاً مُنعزلاً. فما من أحد يستطيع أن يؤمن منفرداً، كما أنه لا يستطيع أحد أن يعيش منفرداً. وما من أحد أعطى نفسه الإيمان كما لم يُعط أحدٌ نفسه الحياة. فقد تقبل المؤمن الإيمان من غيره وهو من واجبه أن ينقله لغيره. إن محبتنا ليسوع وللبشر تحملنا على أن نُحدث غيرنا بإيماننا. وهكذا فكل مؤمن حلقةٌ في سلسلة المؤمنين الطويلة. ولا أستطيع أن أؤمن بدون أن أُحمل في إيمان الآخرين، بإيماني أنا أُسهم في حمل إيمان الآخرين.
167- «أؤمن»[44]: إنه إيمان الكنيسة يعترف به كل مؤمنٍ شخصياً، ولا سيّما إبان المعمودية. «نؤمن»[45]: إنه إيمان الكنيسة يعترف به الأساقفة المجتمعون في مجمع ، أو، على وجه أعم، يعترف به مجلس المؤمنين الليترجي. «أؤمن»: إنها أيضاً الكنيسة، أمُّنا، تجيب الله بإيمانها وتعلمنا أن نقول: «أؤمن»، «نؤمن».
1ً. «أُنْظُر، يارب، إلى إيمان كنيستك»
168- الكنيسة أولاً هي التي تؤمن، وهكذا تحمل إيماني، وتغذيه، وتدعمه. الكنيسة أولاً هي التي تعترف بالرب في كل مكان (ونحن نرنم في النشيد «أنت الله»: «أنت الذي تُعلن الكنيسة المقدسة في جميع أنحاء المسكونة أنك سيدها»)، ونحن معها وفيها محمولون على أن نعترف نحن أيضاً: «أؤمن»، «نؤمن». بالكنيسة وفي المعمودية ننال الإيمان والحياة الجديدة في المسيح. في «كتاب الرُّتب الروماني» يسأل خادم التّعميد الموعوظ: «ماذا تطلب إلى كنيسة الله؟ والجواب: الإيمان- وماذا يمنحك الإيمان؟ - الحياة الأبدية»[46].
169- الخلاص يأتي من الله وحده؛ ولكن بما اننا ننال حياة الإيمان عبر الكنيسة، فالكنيسة أُمنا: «إننا نعتقد بالكنيسة أُماً لولدتنا الجديدة، ولا نعتقد بها كما لو كانت مَصدر خلاصنا»[47]. وإذ كانت لنا أُماً كانت أيضاً مُربية إيماننا.
2َ. لغة الإيمان
170- إننا لسنا نؤمن بالصيغ، بل بالحقائق التي تُعبر عنها، والتي يتيح لنا الإيمان «مسها». «وفعل الإيمان الذي يفوه به المؤمن لا يقف عند التعبير بل عند الحقيقة المعبر عنها»[48]. ومع ذلك فإنّا نُقارب هذه الحقائق بمساعدة صياغات الإيمان. فهي تسمح بالتعبير عن الإيمان وبتناقله، والاحتفال به جماعياً، واستيعابه، والحياة به أكثر فأكثر.
171- الكنيسة، التي هي «عمود الحق وقاعدته» (1تيم3: 15)، تُحافظ بأمانة على «الإيمان الذي سُلم دفعةً للقديسين»[49]. إنها هي التي تحتفظ بمجموعة أقوال المسيح، وهي التي تنقل من جيلٍ إلى جيلٍ فعل إيمان الرُّسل. وكأُم تلقن أبناءها النطق، ومن ثمَّ الإدراك والتعامل، تلقّنُنا الكنيسة أمُّنا لغة الإيمان لتُدخِلنا في فهم الإيمان وحياته.
3ً. إيمانٌ وَاحد
172- منذُ قرونٍ، وعبر لغاتٍ وثقافاتٍ وشعوبٍ وأممٍ كثيرة لا تبرح الكنيسة تعترف بإيمان واحدٍ، آتٍ من ربٍ واحد، منقولٍ في معمودية واحدة، مغروس في الاعتقاد بأن لجميع البشر إلهاً واحداً وأباً واحداً[50]. والقديس إيريناوس، أسقف ليون، يشهد على هذا الإيمان ويُعلن:
173- «وإن كانت الكنيسة منتشرةً في العالم كلّه إلى أقاصي الأرض، فهي، بعدما تلقت الإيمان من الرسل ومن تلاميذهم (...) تحتفظ [بهذه الكرازة وبهذا الإيمان] بعناية كما لو كانت تسكن منزلاً واحداً، وهي تؤمن بهما على وجه واحد، كما لو لم يكن لها إلا روحٌ واحدة وقلبٌ واحد، وهي تكرز بهما وتعلمهما وتنقلهما على نهجٍ واحد كما لو لم تملك إلا فماً واحداً»[51].
174- «فلئن اختلفت اللغات في العالم، فمضمون التقليد واحدٌ لا يختلف. وليس للكنائس القائمة في جرمانية إيمانٌ آخر أو تقليد آخر، ولا لتلك التي عند الإيبيريين، ولا لتلك التي عند القلتيين، ولا لكنائس الشرق، ومصر، وليبية، ولا لتلك القائمة في وسط العالم»[52]. «وهكذا فرسالة الكنيسة حقيقية وثابتة، وإذ لديها طريق خلاص واحدة تظهر في العالم كله»[53].
175- «هذا الإيمان الذي نلناه من الكنيسة، نُحافظ عليه بعناية، لأنه لا يبرح، بفعل الروح القدس، كالوديعة العظيمة الثمن والمحفوظة في إناءٍ ثمين، يتجدد ويجدد الإناء الذي يحتويه»[54].
بإيجاز
176- الإيمان التصاق الإنسان بكامله التصاقاً شخصياً بالله الذي يكشف عن ذاته. إنه التصاق العقل والإرادة بالوحي الذي كشف الله عن ذاته بأعماله وأقواله.
177- للإيمان إذاً مرجعان: الشخص والحقيقة؛ الحقيقة من خلال الثقة بالشخص الذي يُثبتها.
178- ليس لنا أن نؤمن بأحدٍ سوى الله، الآب والابن والروح القدس.
179- الإيمان هبة من الله تفوق الطبيعة. ولكي يؤمن الإنسان يحتاج إلى معونة الروح القدس الداخلية.
180- الإيمان فعلٌ إنساني واعٍ وحرّ يتفق وكرامة الشخص البشري.
181- الإيمان عملٌ كنسي. إيمان الكنيسة يسبق إيماننا، ويبعثه، ويحمله، ويغذيه. الكنيسة أم جميع المؤمنين. «لا أحد يكون الله أباه ولا تكون الكنيسة أُمه»[55].
182- «نؤمن بكل ما تنطوي عليه كلمة الله المكتوبة أو المنقولة، وتدعونا الكنيسة إلى الإيمان به على أنه من وحيٍ إلهي»[56].
183- الإيمان ضروريٌّ للخلاص. الربُّ نفسه يثبت ذلك: «مَن آمن واعتمد يخلص ومَن لم يؤمن يُدان» (مر16:16).
184- «الإيمان هو تذوق مُسبقٌ للمعرفة التي ستجلُنا سعداء في الحياة الآتية»[57].

قانون الإيمان

قانون الرسل[58]

قانون نيقية- القسطنطينية[59]
أومن بالله،
الآب الكلي القدرة،
خالق السماء والأرض.

وبيسوع المسيح، ابنه الوحيد ربنا،










الذي كان الحبل به من الروح القدس،
وُلِدَ من البتول مريم،

تألم في عهد بنطيوس بيلاطس، وصُلِب،
ومات، ودفن،
انحدر إلى الجحيم.
في اليوم الثالث قام من الموتى،

صعد إلى السماوات،
وهو جالسٌ إلى يمين الآب الكلي القدرة،
من حيثُ سيأتي ليقاضي الأحياء والأموات.
أؤمن بالروح القدس






بالكنيسة المقدسة الكاثوليكية،
بشركة القديسين،

بغفران الخطايا،
بقيامة الجسد،
بالحياة الأبدية.
آمين

أومن بإله واحدٍ،
الآب الكلي القدرة،
خالق السماء والأرض،
الكون المرئي وغير المرئي.
وبربٍ واحدٍ يسوع المسيح،
ابن الله الوحيد،
المولود من الآب قبل كل الدهور:
هو الله الصادر عن الله،
نورٌ مولود من النور،
إله حق صادرٌ عن الله الحق،
مولودٌ غير مخلوق،
هو والآب جوهرٌ واحدٌ
وبه صنع كل شيء،
من أجلنا نحن البشر، وفي سبيل خلاصنا،
نزل من السماء،
بالروح القدس
تجسد من البتول مريم
وصار إنساناً.
وإذ صُلب لأجلنا في عهد بنطيوس
بيلاطس،
تألم ودفن،
وقام في اليوم الثالث،
وفاقاً للكتابات،
وصعد إلى السماء،
وهو جالسٌ إلى يمين الآب،
إنه سيرجع في المجد،
ليُقاضي الأحياء والأموات؛
ولن يكون لملكه إنقضاء.

وبالروح القدس،
الرب وواهب الحياة،
إنه ينبثق من الآب والابن،
مع الآب والأبن،
يُعبد العبادة نفسها ويُمجَّد التمجيد نفسه،
لقد نطق بالأنبياء،

أؤمن بالكنيسة،
واحدةً، مقدسةً، كاثوليكيةً رسوليةً.
أعترف بمعمودية واحدةٍ
لغفران الخطايا.
أترقب قيامة الموتى
وحياة العالم الآتي.
آمين





[1] و ل 2
[2] رَ: و ل 5
[3] رَ: رو1: 5؛ 16: 26
[4] رَ: تك12: 1-4
[5] رَ: تك23: 4
[6] رَ: عب11: 17
[7] رَ: تك15: 6
[8] رَ: تك15: 5
[9] رَ: تك14:18
[10] رَ: لو48:1
[11] رَ: لو35:2
[12] رَ: إر17: 5-6؛ مز5:40؛ 146: 3-4
[13] مر11:1
[14] مر7:9
[15] متى27:11
[16] غل1: 15-16؛ متى25:11
[17]  و ل 5
[18] م ف1ً، الدستور العقائدي "ابن الله"، ق3: د3008
[19] توما الأكويني، خ ل 2-2، 9؛ رَ: م ف1ً: الدستور العقائدي "ابن الله"، ق3: د3010
[20] م ف1ً: المرجع السابق: د3008
[21] المرجع السابق: د3009
[22] رَ: مر20:16؛ عب4:2
[23] م ف1ً: المرجع السابقد3009
[24] المرجع السابق: د3010
[25] توما الأكويني، خ ل 2-2، 171، 5، اعتراض3
[26] نيومن، دفاع، ق5
[27] القديس أنسيلم، الملحق، مقدمة
[28] و ل5
[29] عظات 43: 7، 9
[30] م ف1ً، دستور عقائدي "ابن الله" ق4: د3017
[31]  ك ع 36، 2
[32]  ح د101؛ رَ: ح ق ل، ق748، $2
[33] ح د 11
[34]  ح د11
[35] رَ: مر16:16؛ يو36:3؛ 40:6 إلخ
[36] م ف1ً، دستور عقائدي "ابن الله"، ق3:د3012؛ رَ: مجمع ترنت، الجلسة السادسة أ، قرار في التبرير، ق8: د1532
[37]  رَ: مر24:9؛ لو5:17؛ 32:22
[38] رَ: يع2: 14-26
[39] رَ: رو13:15
[40] القديس باسيليوس، في الروح القدس، 15، 36؛ رَ: توما الأكويني، خ  2-2، 4، 1
[41] ك 58
[42]  يوحنا بولس الثاني، أفا17
[43]  المرجع السابق، 18
[44] قانون الرسل: د30
[45] قانون نيقية- القسطنطينية: د150 في الأصل اليوناني
[46] ر ت ب 75 و247
[47] فوستس دي رياز، في الروح القدس1، 2
[48] توما الأكويني، خ ل 2-2، 1، 2، م2
[49] رَ: يهو3:1
[50] رَ: أف 4: 4-6
[51] الرد على الهرطفات 1، 10، 1-2
[52] المرجع السابق، 1، 10، 2
[53] المرجع السابق، 5، 20، 1
[54] المرجع السابق، 53، 24، 1
[55] القديس كبريانوس، وحدة الكنيسة الكاثوليكية 6
[56] ق ش 20
[57] توما الأكويني، م ل 1، 2
[58] د30
[59] د150

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلمات ترنيمة انا مشتاق تغير فيا "فريق قلب داود"

ترانيم بوربوينت بحرف أ

ترنيمة واخدينك علي فين كلمات وبوربوينت2018