تفسير مثل الوزنات (مثل الوزنات)

 مثَل الوزنات

 

أ. في هذا المثل يقدّم السيِّد لعبيده أموالًا، يعطي لواحد خمس وزنات، ولآخر وزنتين، ولثالث وزنة، كل واحدٍ قدر طاقته [14-15]. إنه لا يبخل على أحدٍ بعطاياه، ولا يُحابي أحدًا على حساب آخر، لكنّه يعرف كيف يوزِّع لكل قدر طاقته. فما قدّمه الله لنا من مواهب لم يقدّمها اعتباطًا، وإنما يعرف ما يناسب كل عضو لخلاصه. هذا يدفعنا ألا نتكبَّر على أصحاب المواهب الأقل ولا نحسِد أصحاب المواهب الأكثر، إنّما نشكر واهب المواهب... يكفي أنها من يديه. يقول الرسول: "أنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد، وأنواع خِدَم موجودة ولكن الرب واحد، وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد" (1 كو 12: 4-6).
في حديث للقدّيس أغسطينوس مع شعبه يؤكّد لهم أن للكل وزنات قُدّمت لهم من قِبَل الله، إذ يقول لهم: [لا تظنّوا أن هذا العمل الخاص باستخدام الوزنات لا يخصّكم أنتم أيضًا. حقًا لا تستطيعون العمل من هذا الكرسي (الأسقفي) لكنكم تستطيعون ممارسته قدر ما تتاح لكم الفرصة. أينما هُوجم المسيح دافعوا عنه، أجيبوا على المتذمِّرين، انتهروا المجدِّفين وابتعدوا عن مصادقتهم... قوموا بأعباء وظيفتكم في منازلكم. فالأسقف يُدعى هكذا لأنه يَسُوس الآخرين، ويهتمّ بهم وينصت إليهم. إذن فكل إنسان مادام هو رأس منزله فليعمل عمل الأسقف مهتمّا بإيمان بيته حتى لا يسقط أحدهم في هرطقة: لا زوجة ولا ابن ولا ابنة ولا عبد له، لأنهم قد اُشتروا بثمن هذا مقداره... لا تُهمل أصغر هؤلاء الذين ينتمون إليك بل اِهتم بخلاص كل أهل بيتك بكل سهر؛ فإن فعلتم هذا تكونون قد استخدمتم الوزنة ولا تُحسَبون عبيدًا كسالى ولا تخافون العقاب المرعب.]
ب. لا ينتظر الله الربح في ذاته، ولا يهتم بكميَّته، إنّما يهتم بأمانة عبيده أو إهمالهم. فما اقتناه العبدان أصحاب الخمس وزنات والوزنتين هو "الأمانة في الوكالة"، فتأهّلا أن يُقاما على الكثير، أمّا أصحاب الوزنة الواحدة فمشكلته إهماله، إذ أخفي الوزنة وعاش عاطلًا.
ج. الربح يجلب ربحًا، والخسارة تجلب خسارة، والخطيّة تلد خطيّة، فصاحب الخمس وزنات إذ ربح خمس وزنات أقيم على الكثير بدخوله إلى فرح سيّده، أمّا صاحب الوزنة فإنه إذ أهمل وعاش عاطلًا ليس فقط لم يربح وزنة أخرى، وإنما خسر الوزنة التي لديه، وسقط في خطيّة أخرى وهي اتّهام سيّده بالقسوة والظلم، إذ يقول له: "يا سيّد، عرفت أنك إنسان قاسِ تحصد حيث لم تزرع، وتجمع من حيث لم تبذر، فخفت ومضيت وأخفيت وزنتك في الأرض" [24-25] (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). حياة الكسل والبّطالة دفعته لاتّهام سيّده بالقسوة، وهذا بالتالي دفعه للخوف... كل خطيّة تسلّمه إلى خطيّة وكما يقول الأب يوحنا من كرونستادت: [كل خطيّة تبدو بسيطة وغير هامة تقود إلى خطايا أخطر، لذا يجب مقاومتها في بدايتها وسحقها[863].]
ولعلّ أهم الخطايا التي تبدو هيّنة لكنها محطِّمة هي التهاون أو الكسل، وكما يقول القديس كيرلس الكبير: [إذ يعرف بولس أن الكسل هو باب الهلاك يقول: "ويل لي إن كنت لا أبشر" (1 كو 9: 16)[864].]
د. حينما بدأ السيِّد بإدانة عبيده أو محاسبتهم بدأ بأصحاب الخمس وزنات فالوزنتين ثم الوزنة. كلما كثرت المواهب كلما كانت دينونتنا تسبق الآخرين ونُطالَب بأكثر.
هـ. المكافأة هي "اُدخل إلى فرح سيّدك" [21]، هي دخول إلى العرس الأبدي ليبقى في الداخل، أمّا الجزاء فهو "اِطرحوه إلى الظلمة الخارجيّة" [30]، أي عدم التمتّع برؤية الله النور الحقيقي، وإنما البقاء خارجًا في الظلمة. الذين يدخلون يوجَدون في الداخل حيث لا يمكن إخراجهم خارجًا، وعلى العكس الذين هم في الخارج لا يقدرون على التمتّع بالداخل.
يتحدّث القديس أغسطينوس على هذا الفرح الداخلي أثناء تعليقه على عبارة السيِّد:"كل ما يعطيني الأب فإليّ يقبل، ومن يقبل إليّ لا أخرجه خارجًا" (يو 6: 37). [أيّ نوع من الداخل هذا الذي لا يخرجون منه خارجًا؟ إنه حياة داخليّة ممتازة، مأوى حلو! يا له من مسكن خفي بلا قلاقل بغير مرارة الأفكار الشرّيرة، وبدون إغراءات الشهوات وفساد الأحزان! أليس هذا هو الموضع السرّي الذي يدخله العبد المستحق، الذي يقول له الرب: "اُدخل إلى فرح سيّدك[865]".]
يتحدّث الأب يوحنا من كرونستادت عن هذا الفرح الأبدي السماوي كاِمتداد طبيعي لحياتنا الروحيّة السماويّة التي نعيشها هنا على الأرض، إذ يقول: [خدمتنا الأرضيّة المتنوّعة لمَلِكنا ووطننا هي صورة لخدمتنا الرئيسيَّة لمَلِكنا السماوي، هذه التي يجب أن تستمر أبديًا، هذا الذي يلزمنا أن نخدمه بحقٍ قبل الكل... الخدمة الأرضيّة هي محك وخدمة بدائية للخدمة السماويّة[866].]
St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

المفهوم الرمزي للمثَل

يرمز صاحب الوزنات الخمس للمؤمن الذي يقدّم حواسه الخمس مقدّسة لعريسه السماوي، معلنًا عمل روح الله القدّوس في جسده كما في نفسه ليكون بكلّيته للرب السماوي. بمعنى آخر، يُشير إلى الإنسان الذي يضرم فيه مواهبه لله خلال أبواب حواسه الخمسة.
أما صاحب الوزنتين فيرمز إلى المؤمن الذي امتلأ قلبه بمحبّة أخيه في الرب، إذ يصير الاثنان واحدًا في الرب. ولهذا السبب نجد السامري الصالح يقدّم دِرهمين لصاحب الفندق علامة محبّته للجريح، والأرملة التي امتدحها السيِّد قدّمت فِلسين علامة حبّها لله ولإخوتها المحتاجين. وفي قبر السيِّد المسيح وُجد ملاكان، واحد عند الرأس والآخر عند القدمين إشارة إلى الحب الذي ربط السمائيّين مع الأرضيين فصار الكل جسدًا واحدًا في الرب المصلوب. وقد أعلن السيِّد ذاته لتلميذيّ عِمواس، مظهرًا أنه يكشف عن أسراره للقلوب المحبّة.
إذن فصاحب الوزنات الخمس وصاحب الوزنتين نالا المكافأة الأبديّة بسبب حبِّهما لله والناس، أمّا صاحب الوزنة الواحدة التي دفنها في التراب فيُشير إلى الإنسان الأناني الذي يعمل لحساب ذاته وحده، فلا يرتبط بحب مع الله والناس، وإنما يتَقوْقع حول ذاته في أنانيّة قادرة أن تدفنه في التراب، وتجعل منه إنسانًا أرضيًا لا يقدر أن يرتفع نحو السماء حيث الحب! مثل هذا الإنسان الذي يحيا في التراب ليُشبع ذاته، يفسد نفسه ويخنقها إذ يدفنها في شهوات الجسد الترابي، فلا ينتفع روحيًا وحتى جسده يهلك، فيفقد السماء والأرض معًا.
St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. مجيء ابن الإنسان

بعد أن تحدّث عن انتظار العذارى لعريسهِنَّ وترقَّب العبيد الحكماء لمجيء سيّدهم ليدخل بهم إلى الفرح، كشف بأكثر وضوح هذا المجيء الأخروي.

أولًا: "متى جاء ابن الإنسان في مجده" [31]، ويؤكّد السيِّد "لأن الآب لا يدين أحدًا، بل قد أَعطى كل الدينونة للابن" (يو 5: 22). ويُعلّق القديس أغسطينوس على ذلك معلنًا أن الابن المتجسّد هو الذي يدين، حتى لا يرى الأشرار أمجاد اللاهوت، إنّما تقف نظرتهم عند حدود الجسد الذي يظهر مُرهبًا لهم. يظهر بشكل عبد للعبيد، ويحفظ شكل الله للأبناء[867].

ثانيًا: يهب الملكوت للذين قدّموا حبًا للصغار كما للسيِّد المسيح نفسه. وكما يقول القديس جيروم: [كل مرّة تبسط يدك بالعطاء أذكر المسيح[868].] ويقول: [الهيكل الحقيقي للمسيح هو نفس المؤمن فلنزيِّنه ونقدّم له ثيابًا، لنقدِّم له هبات، ولنرحِّب بالمسيح الذي فيه! ما نفع الحوائط المرصَّعة بالجواهر إن كان المسيح في الفقير في خطر الهلاك بسبب الجوع[869]؟]
يقول القديس كبريانوس: [ماذا يمكن أن يُعلَن المسيح أكثر من هذا؟ كيف يمكنه أن يحُثُّنا على أعمال البرّ والرحمة أكثر من قوله أن ما نعطيه للفقراء والمحتاجين إنّما نقدّمه له هو نفسه، وقوله أنه يحزن من أجل المحتاجين والفقراء إن لم يأخذوا منّا. فمن كان في الكنيسة ولا يعطي أخاه ربّما يتأثّر مفكرًا في المسيح. من لا يفكّر في رفيقه العبد المتألّم الفقير ربّما يفكّر في إلهه الساكن في هذا الرجل الذي يحتقره[870].] كما يقول القديس أمبروسيوس: [أيّة كنوز ليسوع أفضل من هؤلاء المساكين الذين يجب أن يُرى يسوع فيهم[871]؟] كما يقول: [اخدموا الفقراء تخدمون المسيح[872].]
لا يقف العطاء عند الجانب المادي، إنّما يلزمنا أن نسكب الحب كطيب ندهن به قدميّ المخلّص نفسه خلال هؤلاء الأصاغر، أي النفوس المحطَّمة والمحتاجة. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [مات المسيح مرّة ودُفن مرّة واحدة، ومع هذا يودّ أن يُسكب الطيب على قدميه كل يوم. من هم الذي يُحسَبون قدمين للمسيح فنسكب عليهم الطيب إلا الذين قال عنهم: "بما أنكم فعلتم بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم" [40]. هاتان هما القدمان اللتان أنعشَتْهما المرأة المذكورة في الإنجيل وغسلَتْهما بدموعها[873].]

ثالثًا: يقدّم السيِّد ملكوته السماوي لمن هم أنفسهم قد صاروا ملكوته أثناء غربتهم، إذ سبقوا فحملوه فيهم كملكوت يُشرق عليهم بمجده. يقول القديس أغسطينوس معلِّقًا على قول السيِّد: "تعالوا يا مباركي أبي رثو الملكوت المُعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت 25: 34). [بمعنى أنتم الذين كنتم الملكوت لكن بغير سلطان لتحكموا، تعالوا لكي تملكوا! أنتم الذين كنتم قبلًا في الرجاء وحده، أمّا الآن فتنالون السلطان كحقيقة واقعة! إذن فإن بيت الله هذا، هيكله، ملكوت السماوات، لا يزال في دور البناء والتنفيذ والإعداد للاجتماع. فيه سيكون مواضع يعدّها الرب الآن، كما فيه أُعدّت بالفعل مواضع كما أوصانا الرب[874].]

رابعًا: يقدّم السيِّد المسيح الملكوت لمؤمنيه بكونه: "المُعد لهم منذ تأسيس العالم" [34]، وعندما يُطرد الأشرار يقول عن النار الأبديّة "المُعدَّة لإبليس وملائكته" [41]، فهو لم يُعِد الإنسان للنار الخارجيّة وإنما للملكوت الأبدي. وقد اختار الأشرار لأنفسهم بأنفسهم أن يُلقوا فيما أُعدّ لغيرهم أي "إبليس وجنوده".
أخيرًا فإن الملكوت الذي ننظره هو التمتّع بالسيِّد المسيح نفسه الذي هو سرّ فرحنا الأبدي، يملك فينا، ونقطن فيه إلى الأبد. وكما يقول القديس كبريانوس: [المسيح نفسه أيها الإخوة الأحيًاء هو ملكوت الله الذي نشتاق إليه من يوم إلى يوم لكي يأتي. مجيئه هو شهوةٌ لنا نودّ أن يُعلن لنا سريعًا. مادام هو نفسه قيامتنا ففيه نقوم، لنفهم ملكوت الله أنه هو بنفسه إذ فيه نملك[875].]

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلمات ترنيمة انا مشتاق تغير فيا "فريق قلب داود"

ترانيم بوربوينت بحرف أ

ترنيمة واخدينك علي فين كلمات وبوربوينت2018